فصل: فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب قصة ماشطة بنت فرعون:

ما رواه البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس أن ماشطة بنت فرعون زوجة حزقيل الذي كان يكتم إيمانه كما سيأتي في الآية 20 من سورة القصص الآتية والآية 78 من سورة المؤمن وكانت هي تكتم إيمانها أيضًا بينما كانت تمشط ابنة فرعون إذ سقط من يدها، فقالت تعس من كفر باللّه.
فقالت بنت فرعون: وهل إله غير أبي؟ قالت إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له.
فأخبرت أباها بذلك فسألها قالت صدقت فحملها على الكفر فأبت فمدها بين أربعة أوتاد وأرسل عليها الحيات والعقارب، وقال إن لم تكفري عذبتك هكذا شهرا.
قالت لو عذبتني سبعين شهرا ما كفرت.
فلما رأى إصرارها هددها بذبح أولادها، ولم تفعل، فذبح ابنها الكبير على صدرها وقال إن لم تكفري ذبحت الاخر على فيك، قالت لو ذبحت أهل الأرض ما كفرت.
فبادر بذبحه فجزعت فأنطقه اللّه وقال يا أماه اصبري ولا تجزعي فقد بنى اللّه لك بيتا في الجنة.
فصبرت ولم تلبث ان ماتت رحمها اللّه، فأسكنها اللّه الجنة.
وهكذا فعل بآسية بنت مزاحم زوجته كما سيأتي في الآية 11 من سورة التحريم، وصبرت هذه وعذابها أشد من عذاب بلال المار ذكره في الآية 10 من سورة والليل، قالوا وبعث رجلين في طلب زوجها فوجدوه يصلي والوحوش وراءه صفوفا، فتركوه وانصرفوا فقال حزقيل اللهم انك تعلم اني كتمت إيماني مائة سنة فأيما هذين الرجلين كتم علي فاهده إلى دينك وأيما منهما أظهر على فعجل عقوبته.
فأخبر أحدهما فرعون وكتم الآخر فقتل الذي أخبره وأنعم على الآخر إجابة لدعوته قال تعالى: {الَّذينَ طَغَوْا فِي البلاد 11} وتجبروا على أهلها وارتكبوا انواع المعاصي {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفساد 12} قتلا ونهبا وسبيا وغصبا وأخذوا ظلما وعدوانا وتعذيبا وتوغلوا في سائر البشر بانواع التعدي وهم يتنعمون بنعم اللّه، فلما أظهر اللّه عتوهم وعنادهم للملأ وعلم إصرارهم أزلا وانه أمهلهم ليطلع خلقه على أفعالهم المستحقة لتعذيبهم ولم ينجع بهم ذلك الإمهال حتى قضي أمرهم وحان وقت أخذهم المقدر عنده، جنح إلى هلاكهم {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ} يا محمد {سَوْطَ عذاب 13} لونا من ألوانه ونوعا من أنواعه، والسوط يشعر بزيادة الألم أي عذبهم عذابا شديدا، كان الحسن إذا قرأ هذه الآية يقول ان عند اللّه أسواطا كثيرة فأخذهم بسوط منها {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد 14} يرقب أعمال عباده كلها فيرى ويسمع ما يقع منهم لا يفوته شيء لأن المرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد ومن كان عالما بأحوال خلقه لا يفوته شيء من أمرهم، وهذا جواب القسم، والجمل ما بين القسم وجوابه اعتراضية، وقيل جواب القسم محذوف وتقديره ليعذبن الكافر وربّ هذه الأشياء ويجزي كلا بفعله إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال ابن عطية المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان، ورده أبو حيان بأنه لو كان كما زعم لما دخلت الباء لإنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة، ثم شرع يفصل أحوال خلقه فقال: {فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ} أختبره وامتحنه {رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ} بالمال والولد والعافية والجاه {ونعمه} بما وسع عليه من النساء والقصور والبساتين وغيرها من خدم وحشم {فَيَقول رَبِّي أَكْرَمَنِ 15} بما أعطاني وفضلني بما اولاني {وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ} ما هذه هنا وفي الآية الأولى وما شابهها في غير القرآن يعدونها زائدة اما في القرآن فتسمى صلة يؤتى بها لتأكيد القول وتحسينه لأن كلام اللّه مبرأ عن الزيادة كما هو منزه عن النقص وسيأتي لهذا بحث في الآية 135 من سورة التوبة {فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ} ضيقه وقلله عن مقدار بلغته وكفايته {فَيَقول رَبِّي أَهانن16} بما أفقرني وأذلني بما أعوزني.
وهذه الآية عامة لتصدرها بلفظ الإنسان فتشمل كل فرد وما قيل انها نزلت في امية بن خلف الجمحي خاصة فعلى فرض صحته لا ينفي عمومها لأن العبرة دائما لعموم اللفظ لا لخصوص المعنى أو السبب، لذلك ردّ اللّه تعالى على من ظن أن سعة الرزق إكرام وضيقه إهانة بقوله: {كلا} أي ليس الأمر كذلك فلا يظن به إذ ليس كل من اعنيته لكرامته ولا كل من أفقرته لاهانته لأن الغنى والفقر بحكمتي وتقديري وإنما أكرم المؤمن بطاعته لي وأهين الكافر بمعصيته واني أنعم على عبدي لأختبره أيشكر نعمتي أم يكفر وأضيق عليه لأمتحنه أيصبر أم يفجر. وليعلم الناس ذلك راجع تفسير الآية 26 من سورة الأنبياء، ولئلا يقولوا كما قال قارون: {إِنَّما أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِنْدِي} الآية 76 من سورة القصص الآتية مع أنه أوتيه من غير استحقاق ابتلاء.
{بل} هناك ما هو أشر وهو أنكم {لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ 17} فلا تبرّونه ولا تراعون حقه مما أنعم اللّه عليكم به {وَلا تَحَاضُّونَ} بحث بعضكم بعضا {على طَعامِ الْمسكينِ 18} من فضلكم بل تهملونه ولا تنظرون في أمره {وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ} الميراث {أَكْلًا لما 19} لا تعطون منه أحدا، واللّهم الجمع بين الحلال والحرام وعليه قول النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ** على شعث أي الرجال المهذب

وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون نصيبهم فذمهم اللّه لشدة حرصهم على جمعه جمعا شديدا من غير نظر إلى حل وحرمة {وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا 20} كثيرا جدا قال أمية:
إن تغفر اللهم فاغفر ** جمّا وأي عبد لك لا ألما

لأنهم كانوا ولعين به مع الحرص عليه والبخل به ومنع الحقوق منه {كلا} ردع وزجر لمن هذه حاله أي لا ينبغي ان يتكالبوا على ذلك، ولا ان يشغفوا به، بل كان عليهم ان يعملوا بما أمر اللّه قبل ان يأتيهم يوم يتلهفون على ما أسلفوا ويتندّمون على ما فرطوا من حيث لا ينفعهم الندم {إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ} زلزلت بما فيها من بناء وجبال وبحار وغيرها {دَكًّا دَكًّا 21} مرة بعد اخرى حتى لا يبقى فيها ولاء عليها شيء {وَجاءَ رَبُّكَ} جلت عظمته وهذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين لآثار قهره وسلطانه لأن الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من امارات الهيبة وعلامات العزة وإشارات العظمة ما لا يحضر بحضور غيره من خواصه.

.مطلب آيات الصفات والقول فيها:

وهذة من آيات الصفات التي سكت عن تفسيرها السلف الصالح وبعض الخلف وأجروها على حالها كما جاءت من غير تأويل ولا تشبيه ولا تكييف، والتزموا فيها الإيمان بظاهرها، وتأولها المتكلمون وبعض المتأخرين فقالوا جاء أمره أو قضاؤه أو دلائل آياته وجعلوا مجيئها مجيئا له تفخيما وإجلالا لأن الحركة والسكون محال عليه جل شأنه ولكل وجهة، واجراؤها على ما هي عليه أولى {وَالْمَلَكُ} أل فيه للجنس فيشمل جميع ملائكة السماء أما ملائكة الأرض فأنهم يقفون في ذلك الموقف لاداء التحية والتكريم قياما بأبّهات الكبرياء والتعظيم {صَفًّا صَفًّا 22} أي تقف ملائكة كل سماء صفا على حده فيحدقون بالجن والإنس ويحيطون بهم {وَجِيءَ يومئِذٍ} في ذلك اليوم المهيب الذي تأتي فيه ملائكة اللّه وهو يوم القيامة {بِجَهَنَّمَ} نفسها وينادى من قبل اللّه هذه التي أعدت للكافرين، كما تبرز الجنة وينادى هذه المعدة للمتقين.
أخرج مسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال رسول اللّه: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها».
وفي رواية: تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير.
وجاء في بعض الآثار عن علي كرم اللّه وجهه انه سأل حضرة الرسول فقال كيف يجاء بها يا رسول اللّه؟ فقال: «تقاد بسبعين الف زمام يقوده الف ملك».
هذا وفي أول المجيء بالبروز، وقال هو على حد قوله تعالى: {وَبرزت الجحيم لِمَنْ يَرى} الآية 31 من النازعات وجمل الآية على المجاز لزعمه ان الحقيقة متعذرة في ذلك قال باستحالة الانتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي على جهنم وهو لعمري جائز إذ لا يستحيل على مالك أمر ذلك اليوم بل يجوز أن تخرج وتنتقل من محلها إلى المحشر والى الموقف ليطلع عليها أهله ثم تعود إلى مكانها بمجرد أمره لها بين الكاف والنون، وان في ذلك اليوم وراء ما تتخيله الأذهان، وليس ذلك بأعظم من أنزال العرش.
راجع تفسير الآية 17 من سورة الحاقّة فإنكار مجيء جهنم يستدعي إنكار نزول عرش الرحمن لأن العلة فيهما واحدة وهي دعوى الاستحالة وذلك كفر والعياذ باللّه، لذلك يجب الاعتقاد بظاهر آيات الصفات كما هي طريقة السلف الصالح إذ لا يجوز أن يخطر بالبال أن اللّه تعالى يعجزه شيء قبله العقل أم لا.
راجع تفسير الاية 67 من سورة الزّمر، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية 15 من سورة فاطر الآتية فراجعه.
قال تعالى: {يومئِذٍ} أي يوم يجاء بجهنم ويراها أهلها وسائر من بالموقف على ما وصفها اللّه لهم على لسان أنبيائهم {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ} ما فرط في دنياه من انكار البعث وتكذيب الأنبياء ويندم على ما وقع منه من المخالفات {و} لكن {أَنَّى لَهُ الذكرى 23} أي لا تنقعه إذ ذاك حيث لا مجال للرجوع للدنيا لقبول التوبة ولا للاتعاظ ولكنه {يقول} متحسرا متأسفا {يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ} عملا صالحا {لحياتي 24} هذه في هذا اليوم الذي لا موت بعده يوم الحياة الأبدية التي كنت أنكرها في الدنيا {فَيومئِذٍ} يوم يكون ما ذكر {لا يُعَذِّبُ عذابهُ أحد 25} من مخلوقاته {وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ} بالسلاسل والأغلال {أحد 26} أيضًا أي أن اللّه تعالى هو ذاته المقدسة تتولى العذاب للإنسان العاتي المذكور في الآية السابقة بما يعم أمية بن خلف وغيره وهذا على حد قولهم: قاتل السلطان. والمراد جنده لأنه لا يقاتل عادة.
وقرئ الفعلان على البناء للمفعول وعليه يكون المعنى، إن الإنسان أشد عذابا من غيره لأن اللّه ميّزه بالعقل على سائر الحيوانات ليميّز بين الخير والشر أما وأنه لم يفعل وصرف ذلك العقل إلى شهواته ولذاته فقد جعل اللّه عذابه أعظم من غيره لتناهيه بالكفر.
وجرى على هذه القراءة ابن سيرين وابن أبي اسحق وأبو حيوه وابن أبي عبلة وأبو بحرية والكسائي وسلام ويعقوب وسهل وخارجة تلقيا عن ابن عمر رضي اللّه عنهما.
قال ابن الحاجب إن في عود الضمير على اللّه على قراءة عاصم ورواية حفص الجارية في المصاحف على بناء الفعلين للفاعل فوات للتعظيم الذي يقتضيه السياق وفوات المعنى، إذ عليها ان اللّه تعالى هو الّذي يتولى عذاب الكافر ووثاقه ليس بسديد لأن اللّه ذكر ملائكة للعذاب ووصفهم بالغلظة والشدة وانهم هم الذين يتولون ذلك قال تعالى: {يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المطمئنة 27} الآمنة المتأنسة، وأل فيها للجنس أيضًا فتشمل كل فرد من أفرادها، وقد خاطبها جلّ خطابه مخاطبة إكرام تكريما لها، وما قيل إن هذه الآية نزلت في حمزة أو خبيب الأنصاري الذي صلبه كفار قريش في مكة أو في عثمان لأنه اشترى بئر رومة، بعيد عن الصحة، لأن عثمان اشتراها بالمدينة وحمزة قتل في بدر وكذلك حادثة صلب خبيب وقعت والرسول بالمدينة.
وهذه السورة نزلت بمكة قولا واحدا لذلك فإنها عامة في كل نفس طاهرة موقنة بالحساب، وكذلك لا دليل على القول بأنها نزلت في أبي بكر أيضًا لتجهيزه جيش العسرة لذلك السبب.
على ان كل هؤلاء داخلون في عمومها دخولا أوليا لأنهم ممن أكرمهم اللّه القائل: {ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ} لتري ما وعدك به من الثواب حالة كونك {راضية} بلقائه وبما منّ عليك من النعيم المقيم الذي وعدك به رسوله في الدنيا {مرضية 28} عنده محظية بسبب عملك الصالح، ويقول لك ربك بلسان ملائكته الكرام {فَادْخُلِي فِي} زمرة {عِبادِي 29} الصالحين المرضى عنهم وعليهم {وَادْخُلِي جنتي 30} معهم.
هذا ومن قال ان المراد بالنفس هنا الروح فيكون المعنى ادخلي في أجساد عبادي، وليس بوجيه إذ ينافيه {وَادْخُلِي جنتي} فتكون الروح هي الداخلة لا الجسد.
تأمل.
قال سعيد بن جبير: مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط، فدخل نعشه ثم لم ير خارجا منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يدرى من تلاها، قال بعض أهل الإشارات {يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المطمئنة} إلى الدنيا {ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ} بتركها والرجوع اليه هو سبيل الآخرة، وفقنا اللّه اليه.
وقال الشيخ محي الدين العربي:
ادخلي في زمرة عبادي المخلصين في أهل التوحيد الذاتي {وادخلي}في {جنتي}المخصوصة بي أو جنة الذات.
هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الفجر مكية أو مدنية.
{لذي حجر} تام قاله أبو حاتم وغيره.
{إن ربك لبالمرصاد} تام وهو جواب القسم فمن وقف على {لذي حجر} فقد فصل بين القسم وجوابه، ولعلهم أجازوه لطول الكلام، لكن كان يكفي أن يقال وقف صالح أو نحوه لا تام.
وقد تقف العوام على {بعاد ارم} وليس بحسن لأن بعده نعت له.
{أكرمن} مفهوم.
{أهانن}حسن وقال أبو عمرو فيهما كاف وقيل تام.
{كلا}حسن وهو أحسن من الوقف على {أهانن} وقال أبو عمرو {كلا}في الموضعين تام لأنها بمعنى لا وخالف الأصل في الثانية فقال لا يوقف عليها هنا.
{جما}تام.
{قدمت لحياتي} كاف.
{وثاقه أحد} تام.
وكذا آخر السورة. اهـ.